الاثنين، 12 مايو 2008

هيئة القيادة - خيانة الرفاق وتدمير قومية القوات المسلحة ( 2 )ِ

بعد أن نجحت الجبهة الإسلامية بموجب شرعيتها الثورية المزعومة فى الإطاحة بمئات الضباط الأكفياء من ذوى الرتب العالية فى الأشهر الأولى لإنقلابها المشئوم بدأت فى تطبيق المراحل التالية من مخططها الرامى لتدمير قومية القوات المسلحة .
تدمير القوات المسلحة وكسر شوكتها كان هو البند الأول فى مانفستو الجبهة للتمكين !!
كونت الجبهة لتنفيذ هذا الغرض خلية سرية فى أيامها الأولى لتقوم بادارة العمل اليومى لشئون الحكم وتصفية القوات المسلحة بقيادة المحامى على عثمان محمد طه.
كانت هذه الخلية فى حالة انعقاد دائم لإصدار القرارات الخاصة بتسيير الدولة وتفكيك القوات المسلحة وتسليمها لحلقة الوصل المقدم عبد الرحيم محمد حسين ليقوم بإطلآع الرئيس المعين عليها وإجازتها شكلياً بواسطة مجلس قيادة الثورة الديكور.
ترسل القرارات الخاصة بالدولة إلى القصر الجمهورى لصياغتها وتنقل يومياً بواسطة الأمين العام لمجلس قيادة الثورة العقيد عبد العال محمود الى القيادة العامة ليمهرها الرئيس بتوقيعه الكريم . كان الرئيس فى بعض الحالات يبدى بعض الإعتراض أو يحتاج إلى توضيح المسببات فيقوم المقدم عبد الرحيم بترتيب لقاء له مع الخلية السرية فى مكان سرى فى جنح الدجى ليعود بعده سيادته قانعاً راضيا.
لم نأت بهذا الكلام افتراء أو من فراغ فقد ورد هذا الحديث من الرئيس شخصياً وبعظمة لسانه بعد إقصاء الدكتور الترابى بأنه لم يكن مسئولاً عمّا تمّ خلال العشر سنوات الأولى من حكمه إذ أن البلد كانت تدار من المنشية ولكننا نقول إن البلد لم تكن تدار من المنشية فالمنشية كانت مغيبة مثل الرئيس تماما . كانت المنشية مشغولة بالفارغة- كما يقولون –من خطب الجهاد والمؤتمر الشعبى العالمى واللقاءات البروتوكولية المدبرة والزيارات
وأعراس الشهداء وترك أمر تدبير شئون الدولة للأبناء المخلصين الذين صنعهم الشيخ فكفلهم وعلمهم وزوّجهم فبداوا من الأيام الأولى للإنقلاب يخططون للإنقضاض عليه وابعاده نهائيا من المسرح فعملوا بطريقة" تمسكنوا حتى تمكنوا" ولنا عودة لهذا الموضوع لاحقاً.
أما مجلس قيادة الثورة الموقر والذى ذكرنا سابقا بأنه قد كان مجلساً صورياً فقد كان معبرا لكل القرارات الهدامة التى اتخذتها مافيا الجبهة الإسلامية لتقويض الدولة السودانية وتحطيم قواتها المسلحه ويكفينا دليلاً على ذلك انسلاخ ثلاثة من أعضاء هذا المجلس بتقديم استقالاتهم قبل مرور عامين على الإنقلاب لما شاهدوه من خراب كان يجرى بإسمهم على يد هذه العصابة.
سنركز فى بقية هذه الحلقة ومايتبعها من مقالات على ما جرى للقوات المسلحة على يد هذه المافيا من دمار وصلاً لما بدأناه فى المقال الأول وماتم تحت سمع وبصر هيئة القيادة التى تسلمت قياة هذه القوات بعد الأنقلاب مباشرة وما تلاها من هيئات متعاقبة.
فمنذ الأيام الأولى للإنقلاب ظل الضباط يشاهدون عددا من الضباط من ذوى الرتب الصغيرة يتجولون بحرية تامة داخل القيادة العامة ويدخلون ويخرجون من مكتب القائد العام بدون الضوابط المعروفة. فى بادىء الأمر قيل أنهم ممن شاركوا فى تنفيذ الإنقلاب ثم قيل أنهم أعضاء المجلس الأربعينى الذى يدير شئون الدولة.
بعد أسابيع تقلص عددهم الى مجموعة صغيرة تحت قيادة المقدم الهادى عبد الله .ضمّت المجموعة الرواد هاشم البدرى، سيد كُنّة، الطيب الخنجر، والنقيب حسن صالح.
أتخذت هذه المجموعة مكتباً لها داخل مكاتب هيئة القيادة. اتخذوا هذا المكتب مكانا لإجتماعاتهم ولنومهم ليلاً.
الجدير بالذكر أن هذه المجموعة من الضباط كانوا جميعاً فى مؤخرة دفعهم فى ترتيب تخرجهم من الكلية الحربية ومن المتعثرين فى إمتحانات الترقى وليسوا على درجة طيبة من حسن الخلق والأداء العام.
يتردد على هذه المجموعة يوميا عدداً كبيرا من الضباط غالبيتهم من صغار الرتب لعرض تقاريرهم عن قادتهم وزملائهم الآخرين فكان منهم المقدم (فنى المطبعة) عثمان، رائد عمر الأمين كرار، رائد محمد على أبوسن، رائد(طبيب) عبد الرازق، رائد عبد المنعم محمد على الشقلة ، رائد الجنيد حسن الأحمر، رائد صديق فضل ، رائد عبد الله عثمان ، ، رائد أحمد عبد القيوم، رائد على سالم ، رائد ياسر محمد أحمد عثمان ، ملازم أول عثمان عمر وآخرين.
هؤلاء هم الضباط الذين استغلّتهم مافيا الجبهة الإسلامية فاوكلت لهم مسئولية تصفية القوات المسلحة من كوادرها من الضباط المؤهلين الشرفاء فكانوا يدخلون ويخرجون من والى وحداتهم فمكتب القائد العام ومكاتب هيئة القيادة دون حسيب أو رقيب ضاربين بقواعد الإنضباط عرض الحيطان. وهنالك كان أيضاً المندسّون داخل الوحدات المختلفة يزورون التقارير ويصفون حسابتهم الشخصية.
بعد أن تتلقى المجموعة الأولى التقارير تناقش مع العقيد بكرى حسن صالح والرائد ابراهيم شمس الدين ويضاف أليها ما جاء به عبد الرحيم محمد حسين من تعليمات حكومة الإنقاذ الخفية وتسلم للسيد القائد العام للتنفيذ ! يقوم القائد العام باصدار الأمر مباشرة ألى نائب رئيس هيئة الأركان للإدارة أو ألى مدير فرع شئون الضباط رأساً فى حالة أحالة ضابط للمعاش وفى بعض الأحيان يقوم القائد العام بإخراج روشتة من جيبه فى اجتماعات هيئة القيادة تتضمن بعضاً من أسماء الضباط لإحالتهم للمعاش. لذلك لم يكن من المستغرب أن يتهرب السادة أعضاء هيئة قيادة القوات المسلحة من استفسارات بعض الضباط عن أسباب أحالتهم للمعاش أو أن يقسموا لبعض زملائهم بأنهم لم يروا كشوفات الإحالة للمعاش الآ بعد خروجها للعلن !
فى فبراير من العام 1990 أعلنت حكومة الجبهة عن كشفها لمحاولة أنقلابية بقيادة اللواء محمد على حامد ، تم على أثرها أعتقال العشرات من الضباط تم التحفظ عليهم بمدرسة المشاة بكررى.
قبل اكتمال التحقيق مع هذه المجموعة وتقديمها للمحاكمة وقعت المحاولة الإنقلابية الثانية فى أبريل/ رمضان من نفس العام وعندما فشلت المحاولة وتم أعتقال منفذيها قامت أدارة الإستخبارات العسكرية والتى كان يراسها اللواء مصطفى محمد احمد الدابى
إسمياً والعميد كمال على مختار فعلياً ومساعديهم من أمثال المأفون حسن ضحوى يعاونها نفس المجموعة المتطرفة من الضباط الذين ذكرناهم أعلاه بتحقيق صورى مع الضباط المعتقلين واهانتهم ثم نقلهم بصورة مزرية الى السجن الحربى ثم عقدت لهم محاكم صورية برئاسة الرائدين الطيب الخنجر وسيد كنة حكمت عليهم بالإعدام وتم تنفيذ حكم الإعدام فى نفس الليلة بصورة عشوائية بعد أن أوسعوا ضرباً وشتماً وتمّ دفنهم قبل خروج أرواحهم فى حفرة واحدة تمّ تجهيزها بواسطة الرائد عبدالله عثمان والرائد صديق عامر والإثنان من سلاح المهندسين.
قام بتنفيذ الإعدام المقدم الهادى عبد الله والرائد صديق عامر ابن شقيقته والرائد عبد الله عثمان ابن شقيقة الفريق المدهش عبد الرحمن سرالختم والى الجزيرة الحالى والرائد الجنيد حسن الأحمروالرائد محمد أحمد الحاج الشهير بود الحاج والرائد الطيب الخنجر والرائد سيد كنّه وثلّة من صغار الضباط يعاونهم من الإستخبارات العقيد محمد على عبد الرحمن تحت أشراف العقيد بكرى حسن صالح والعقيد حسن عثمان ضحوى والرائد إبراهيم شمس الدين.
لم تضرب الإنقاذ بقوانين القوات المسلحة ونظمها عرض الحائط فحسب بل ضربت ايضاً بقوانين الشريعة الإسلامية التى ادّعت زوراً بأنّها قد جاءت لتطبيقها .
تم كل ذلك تحت سمع وبصر هيئة قيادة القوات المسلحة برئيس أركانها . لقد صمتت هيئة القيادة على هذه المهازل والمخازى صمت القبور . ويقال بأنه فى الليلة التى سبقت تنفيذ هذه المذبحة كان القائد العام قد استدعى الفريق عبد المنعم يوسف صالح مدير فرع القضاء العسكرى وهو الفرع المناط به أجراء التحقيقات وتشكيل المحاكم العسكرية بالتعاون مع فرع شئون الضباط. حضر الفريق عبد المنعم حاملاً معه حزمة القوانين لمقابلة القائد العام وبعد منتصف الليل وهو فى الإنتظار حضر إليه الفريق حسن محمد حسن علاّم نائب رئيس هيئة الأركان للإدارة وأمره بالرجوع ألى مكتبه قائلاً له: ( يا عبد المنعم شيل أوراقك وأرجع مكتبك ، الناس ديل موضوعهم انتهى ) .
أننى لأعجز عن تصور كيف ينام هؤلاء البشر وكيف ينعمون بأطيب الطعام وكيف ينظرون لآبنائهم وبناتهم وهذه الصور القبيحة ماثلة أمامهم ؟
إننى لا أشعر بالإستغراب لهذا العمل الذى قام به مايسمون أ نفسهم بالحركة الإسلامية إذ أن مرجعيتهم هى الدولة الأموية والتى يدافع عنها هذه الأيام أحد منسوبى هذه الحركة الظلامية على صفحات الإنترنت . هذه الدولة التى استباح فيها يزيد بن معاوية مدينة الرسول وهو الذى قتلت جيوشه أحفاد الرسول صلوات الله وسلامه عليه ومثّلت بجثثهم!
وهى نفس الدولة التى جعلت عبد الملك بن مروان احد فقهاء المدينه حينما أفضى أليه أمرالخلافة وكان المصحف بين يديه فأطبقه وقال: " هذا آخر عهدى بك " واعتلى منبر النبى وخاطب المسلمين بقوله : " والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلاّ ضربت عنقه " !
ولكننى أشعر بالإستغراب والدهشة لمواقف هؤلاء الأخوة من الضباط العظام والذين تربّوا فى كنف القوات المسلحة بقوميتها وتماسكها لسماحهم بهذا العبث يدور أمام ناظريهم وبأسمهم ولا يستطيعون صرفاً ولا عدلاً! فحسبنا الله ونعم الوكيل.

ونواصل بأذن الله ................



.





.

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

الاصيل ود الريح لك القومة
واصل في ازالة الغطاء عن تلك الحقبة من تاريخنا بلادنا حتى يعلم الجميع مدى جرم اصحاب المشروع الحضاري
قال حضاري قال